قال: الجهل نوعان: جهل سببه عدم العلم.. وهذا هو ميدان العالم..
فالعالم محارب للجهل.. وجهل سببه الكبر.. ولا دواء لهذا إلا أن يتخلص من كبره.
قلت: فما جهل هؤلاء؟
قال: هو جهل كبر.. لا جهل علم.. لقد كان أهل الجاهلية يحتقرون
هذا النوع من العلوم، فلذلك لم يكن يمارسها عندهم إلا العبيد، فلما جاء القرآن
الكريم أخبر أن هذه الصناعات كان يمارسها الأنبياء ـ عليهم السلام ـ ليعلي من
شأنها، ويرفع ذلك الاحتقار الذي ورثه هؤلاء عن أولئك.
قلت: صدقت.. فقد ذكر القرآن الكريم صناعة الحديد، ونوه بها، وذكر اشتغال
الأنبياء والصالحين بها، فقال تعالى:﴿ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا
حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً﴾ (الكهف:96)، وقال تعالى:﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ
وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ (سـبأ:10)، بل قرن بإنزال الحديد
إنزال الكتاب، فقالتعالى:﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ
الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا
الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ
يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحديد:25)
قال: ومثل ذلك ذكر الصناعات النسيجية وأنواعها وأغرضاها، فقال تعالى:﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ
بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتاً
تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا
وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ﴾ (النحل:80)
وذكر ما يرتبط بالعمران من أعمال، فقال تعالى:﴿ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ
تَتَّخِذُونَ مِنْ