ذاك هو الرجل الأول.. وتلك بعض أحاديثي معه.. أما الرجل الثاني، فقد
كان اسمه هو الآخر (محمد الأمين).. وكان الناس يفرقون بين الأول والثاني بتلقيب
الثاني بـ (المرابط)، لانشغاله التام بجميع أنواع المعارف والعلوم، فلا تكاد تذكر
أمامه علما، إلا وجدت عنده منه حظا وفهما وخبرة.
ولم يحصل لي التشرف بصحبته إلا بعد أن مكثت مدة في محضرة الآداب،
أتلقى من آدابها بعض ما ذكرته لك.. مما ملأني يقينا بأن ما تركه محمد a من هدي في هذا الباب لا يمكن أن يلحقه
فيه أحد من أهل الدينا أو من أهل الدين.. وعلمت علم اليقين أن البشرية لو تمسكت
بهديه في هذا الباب وحده لتحول العلم شمسا من شموس الهداية، ونورا من أنوار
السلام.
في بداية صحبتي له دخلت محضرته.. وكانت محضرة مختلفة تماما عن محضرة
الآداب التي كنت فيها.. فلم تكن محضرة عامرة بالطلبة، وإنما كانت محضرة عامرة
بالكتب والمخطوطات.. بل فوق ذلك رأيت فيها مرقبا فلكيا متطورا.. ومجموعة كبيرة من
المجاهر المتطورة.. بل فوق ذلك رأيت في بعض أقسامها مخابر لا تختلف عن المخابر
الحديثة.
بعد أن امتلأت دهشة بكل هذا.. اقتربت من المرابط.. ولم أكن حينها
أعرفه.. وقلت: ما هذا؟.. أهذه محضرة للعلم؟
قال: أجل.. ولكن دخولها مشروط بالمرور على محضرة أخي وسميي محمد
الأمين.
قلت: لقد تخرجت على يده.. فمن أنت؟
قال: أنا الوارث الثاني الذي تتعلم على يديه أن محمدا a لم يكن يعلم الآداب فقط، بل كان يعطينا
أصول العلوم، وأسسها، ومناهجها، وأصنافها..