قلنا: فحدثنا عن الرابع.

قال: من آداب طالب العلم ألا يتحرك في طريقه إلى مجلس العلم إلا بصحبة ذكر.. فإذا وصل إليه سلم على من حضر وصلى ركعتين، فإن كان مسجداً تأكدت مطلقاً، ثم يدعو الله تعالى بالتوفيق والإعانة والعصمة، ويجلس مستقبلاً ‌القبلة لقوله a:(أكرم المجالس ما استقبل القبلة)[1]

ويكون جلوسه بسكينة، ووقار، وتواضع، وخشوع، متربعاً، أو غير ذلك مما لا يكره من ‌الجلسات، ولا يجلس مقعياً، ولا مستفزاً، ولا رافعاً إحدى رجليه على الأخرى، ولا ماداً رجليه أو إحداهما من غير ‌عذر، ولا متكئاً على يديه إلى جنبه أو وراء ظهره، وليصن بدنه عن الزحف، والتنقل عن مكانه، ويديه عن العبث ‌والتشبيك بهما، وعينيه عن تفريق النظر من غير حاجة، ويتقي المزاح وكثرة الضحك، لأنه يقلل الهيبة، ويسقط الحشمة.

قلت: فهل ورد في السنة ما يدل على كل هذا؟

قال: أجل.. ألم تسمع حديث جبريل u الذي جاء يعلمنا فيه ديننا [2]؟

قلت: بلى.. بل أحفظه.

قال: إن هذا الحديث أصل من أصول أدب طالب العلم في درسه.. انظر كيف جلس، وكيف سأل، وكيف سمع، وكيف أجاب.. إن جبريل u لم يعلمنا فقط أصول ديننا، بل علمنا مع ذلك السمت الذي نطلب به علوم ديننا.. فلا يمكن أن نتعلم الدين في مدارس المشاغبين.

قلنا: فحدثنا عن الخامس.

قال: أن يقطع طالب العلم كل ما يحول بينه وبين التفرغ للعلم والتنصت له والتأمل فيه.. فلا يدرس وقت جوعه، أو عطشه، أو همه، أو غضبه، ‌أو نعاسه، أو قلقه، ولا في حال برده

[1] رواه أبو يعلي والطبراني في الأوسط، عن ابن عمر مرفوعاً والطبراني في ‌الكبير عن ابن عباس نحوه مرفوعاً.

[2] رواه مسلم.