قال: ألا ترون كيف تحرر أهل العلم من إسار مجتمعاتهم، فراحوا
يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر لا يبالون في ذلك لومة لائم.
قلنا: أجل.. فقد حكى الله تعالى عن موقف مجتمع هؤلاء لما عاينوا زينة
قارون، فقال:﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ
يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ
إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ (القصص:79)
قال: وذكر في نفس الوقت موقف أهل العلم المترفع الناصح.
قلنا: أجل..
قال: فالعالم هو الذي لا يستسلم للتقاليد والأعراف، فلا يخضع
لسلطانها، ولا تستعبده بأهوائها، بل تكون له السلطة عليها.. فالعالم مؤثر لا
متأثر، وفاعل لا مفعول، ومغير لا متغير.
قال بعض الطلبة: صدقت.. وقد ذكر رسول الله a بعض علماء بني إسرائيل، فقال:(لما وقعت
بنو إسرائيل في المعاصي، نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم وأسواقهم
وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم ﴿ عَلَى لِسَانِ
دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾
(المائدة: 78)، وكان رسول الله a متكئًا
فجلس فقال: (لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرا)[1]
قال آخر: وفي حديث آخر، قال رسول الله a:(إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل
كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا، اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك. ثم
يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب
الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال:﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي
إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا
وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ (المائدة:78)، ثم قال: (كلا والله لتأمرن بالمعروف
ولتَنهون