قال: أفترون من شرف بالجلوس في ذلك المجلس الرفيع، وأحل في تلك
المكانة الشريفة يرضى بالسفاسف، أو يرى أن هناك مجلسا أفضل من مجلسه، أو محلا أعلى
من محله؟
قلنا: لا..
قال: فطالب العلم المستن بسنة رسول الله a عليه أن يشهد هذا.. فلا يرى أحدا أفضل
منه مجلسا، ولا مكانة..
قلت: ولا الوزراء.. والأمراء.. والمدراء..
قال: وماذا يساوي الوزراء والأمراء والمدراء أمام الله.. إنهم كهباءة..
أو كقلامة.. أو كلا شيء..
وماذا يساوي الوزراء والأمراء والمدراء أمام الملائكة الذين هم رسل
الله والمدبرات أمرا والمصطفين الأخيار.
قلت: فهذه الآية تعالج الجاه إذن؟
قال: أجل.. فجاه أهل العلم هو العلم.
قال بعض الطلبة: أروي في ذلك عن سالم بن أبي الجعد قوله: اشتراني
مولاي بثلثمائة درهم وأعتقني، فقلت: بأي شيء أحترف؟ فاحترفت بالعلم، فما تمت لي
سنة حتى أتاني أمير المدينة زائراً، فلم آذن له.
قال الشنقيطي: بهؤلاء العلماء ارتفعت منارة العلم والدين.. لا الذين
يحتبون على أبواب الملوك والأمراء يستجدونهم ويكتبون المعلقات الطوال في مدحهم.
قلنا: عرفنا ما يفهمه طالب العلم من الثالثة، فما الذي يستفيد من
الرابعة، وهي قوله تعالى:﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً
وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ
مِنَ اللَّهِ