قلت: هذا في حفظ القرآن الكريم.. فهل ورد في النصوص ما يدل على حفظ
غيره؟
قال: كل ما ذكر في حفظ القرآن يدل على حفظ غيره، فلا يمكن أن يصير
العالم عالما، وهو ناس لما تعلمه.
عن حذيفة قال: قام فينا رسول الله a مقاما ما ترك شيئا، يكون في مقامه ذلك
إلى قيام الساعة إلا حدث به، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء،
وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب
عنه، ثم إذا رآه عرفه)[1]
قلت: كل ما ذكرته لا يمكن لأحد أن يجادل فيه.. لكني أرى البعض يتهمون
من يحفظ.. ويعتبرونه مجرد وعاء.. وأن الكامل من يفهم، لا من يحفظ.
قال: والأكمل من يجمع بينهما، فيحفظ، ويفهم.. بل إنه لا يعين على
الفهم شيء كما يعين عليه الحفظ.. فالحافظ الذي يردد بلسانه ما يحفظه لا محالة
سيردده في عقله وقلبه، فيفهمه ويستوعبه، فيجمع بين الحسنيين.
بالإضافة إلى أن الذي لا يحفظ لا يطيق أن يفيد بعلمه كل حين، فهو
معلق بكراريسه وكتبه إن حضرت أجاب، وإلا لم يطق جوابا.
قال بعض الطلبة: لقد ذكرتني بحادثة حصلت للغزالي كانت سببا في لجوئه
إلى الحفظ، قال يحكي عن نفسه: قطعت علينا الطريق، وأخذ العيارون جميع ما معي
ومضوا، فتبعتهم، فالتفت إلى مقدمهم، وقال: ارجع ويحك وإلا هلكت، فقلت له: أسألك
بالذي ترجو السلامة منه أن ترد على تعليقتي فقط، فما هي بشيء تنتفعون به، فقال لي:
وما هي تعليقتك؟ فقلت: كتب في تلك المخلاة، هاجرت لسماعها وكتابتها ومعرفة علمها،
فضحك، وقال: كيف تدعي أنك عرفت علمها وقد أخذناها منك، فتجردت من معرفتها، وبقيت
بلا علم، ثم أمر بعض