قال الغزالي: فقلت: هذا مستنطق أنطقه الله ليرشدني به في أمري، فلما
وافيت طوس أقبلت على الاشتغال ثلاث سنين حتى حفظت جميع ما علقته، وصرت بحيث لو قطع
على الطريق لم أتجرد من علمي[1].
قال آخر: وقد قال بعضهم في هذا:(كل علم لا يدخل مع صاحبه الحمام فلا تعده
علماً)
قلت: ولكن العلوم كثيرة.. بل هي أكثر من أن تنحصر.. فكيف يمكن حفظ كل
ذلك؟
قال: إن الله تعالى بحكمته ورحمته زود الإنسان بطاقات عظيمة لا يمكن
تصورها أو حدها.. نحن فقط بكسلنا وضعفنا وقصورنا نتوهم أن الله أعطانا القليل،
فلذلك نستسلم للعجز، ونتعلل بالطاقة المحدودة.
لقد قال
بعضهم يذكر هذا: إن الرجل ليطلب العلم وقلبه شِعْبٌ من الشِّعَاب، ثم لا يلبث أن
يصير واديًا، لا يوضع فيه شيء إلا التهمه.
وقال آخر: كان العلماء يقولون:(كل وعاء أفرغت فيه شيئا فإنه يضيق إلا
القلب، فإنه كلما أفرغ فيه أتسع)
قلت: سلمت لك في هذا.. وفي تاريخنا ما يدل عليه.. فما أكثر حفاظ
الإسلام.. لكن ما
سر ذلك؟
قال: الهمة والصدق والصفاء.. ألا ترى كيف يحفظ قومك الأفلام،
فيوردونها مشهدا مشهدا ولقطة لقطة؟