قال: أن يبادر طالب العلم شبابه وأوقات عمره فيصرفها إلى التحصيل،
ولا يغتر بخدع التسويف والتأمل، فإن كل ساعة تمضي من عمره لا بدل لها ولا عوض
عنها.
لقد حكى عن ثعلب: أنه كان لا يفارفه كتاب يدرسه، فإذا دعاه رجل إلى
دعوة شرط عليه أن يوسع له مقدار سورة يضع فيها كتاب ويقرأ.
وكان أبو بكر الخياط النحوي يدرس جميع أوقاته حتى في الطريق، وكان
ربما سقط في جرف أو خبطته دابة.
وكان بعضهم إذا دخل الحمام يجعل من خارجه قارئاً يقرأ عليه.
قلت: فما الثاني؟
قال: أن يقطع طالب العلم ما يقدر على قطعه من العلائق الشاغلة
والعوائق المانعة عن تمام الطلب وبذل الاجتهاد وقوة الجد في التحصيل، فإنها
كقواطع الطريق، ولذلك استحب الورثة التغرب عن الأهل والبعد عن الوطن تقليلاً
للشواغل، لأن الفكرة إذا توزعت قصرت عن درك الحقائق، وما جعل الله لرجل من قلبين
في جوفه، ولذلك يقال:(العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك)
قلت: فما الثالث؟
قال: أن يقنع من القوت بما تيسر، وإن كان يسيراً، ومن اللباس بما ستر
مثله، وإن كان خلقاً.. فبالصبر على ضيق العيش، ينال سعة العلم، ويجمع شمل القلب
عن متفرقات الآمال، فتفجر فيه ينابيع الحكم.
قلت: فما الرابع؟
قال: أن يقسم أوقات ليله ونهاره، ويغتنم ما بقي من عمره، فإن بقية
العمر لا قيمة لها، وأجود الأوقات للحفظ الأسحار، وللبحث الأبكار، وللكتابة وسط
النهار، وللمطالعة والمذاكرة الليل، وحفظ الليل أنفع من حفظ النهار، ووقت الجوع
أنفع من وقت الشبع، وأجود