الأماكن للحفظ كل مكان بعيد عن الملهيات، كالنبات، والخضرة،
والأنهار، وقوارع الطرق، وضجيج الأصوات، لأنها تمنع من خلو القلب غالباً.
قلت: فما الخامس؟
قال: أكل القدر اليسير من الحلال، لأن كثرة الأكل جالبة لكثرة الشرب،
وكثرته جالبة للنوم والبلادة، وقصور الذهن، وفتور الحواس، وكسل الجسم.
والأولى أن يكون أكثر ما يؤخذ من الطعام ما ورد في الحديث عن النبي a قال:(ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطن،
حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث
لنفسه)[1]، فإن زاد فهو إسراف، وقد قال
تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾
(لأعراف:31)
قلت: فما السادس؟
قال: أن يقلل نومه ما لم يلحقه ضرر في بدنه وذهنه، ولا يزيد في نومه
في اليوم والليلة عِلى ثمان ساعات، وهي ثلث الزمان، فإن احتمل حاله أقل من ذلك
فعل.
ضحك بعض أصحابي، وقال: لقد ذكرتني برجل قال لخالد بن صفوان: مالي إذا
رأيتكم تذاكرون الأخبار وتدارسون الآثار وتناشدون الأشعار وقع عليَّ النوم؟ فقال:
لأنك حمار في مسلاخ إنسان.
وذكر عن سليمان الداري قال: إذا رأيت الرجل ينام عند الحديث، فأعلم
أنه لا يشتهيه، فإن كان يشتهيه طار نعاسه.
قال: ومع ذلك ينبغي لطالب العلم أن يريح نفسه وقلبه وذهنه وبصره
بتنزه وتفرج في المستنزهات بحيث يعود إلى حاله، ولا يضيع عليه زمانه، فقد كان بعض
أكابر العلماء يجمع