أطلق الرجل الغزالي، ثم قال: لك الحق في هذا.. لقد استفزني الغضب لله، ولرسول الله، فرحت ـ من غير شعور ـ أفعل ما أفعل.
قال الغزالي: تعال نجلس.. ولتذكر حجتك بتفاصيلها.. وليكن هؤلاء شهودا على ما نقول.. ألسنا في مدرسة حوار؟
جلس الغزالي مع الرجل، وجلسنا في محل قريب منهما نسمع ما يقولان:
قال الرجل: لقد مررت على جمع هنا يقول كلاما تنهد له الجبال.
قال الغزالي: وما يقولون؟
قال الرجل: كله كفر وضلال.. فكيف أردده عليك؟
قال الغزالي: ألك حجة على إنكار ذلك؟
قال الرجل: بل لدي حجج كثيرة.. منها ما يرتبط بمصادرنا المقدسة، ومنها ما يرتبط بواقعنا.
قال الغزالي: يسرنا أن نسمعها منك، فحدثنا.. وابدأ بالدين.. فالدين مقدم على الواقع.. فلا اجتهاد مع نص.
قال الرجل: أول ذلك، وأبلغه قوله تعالى:﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ (آل عمران:64)، وقوله تعالى:﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي ﴾ (آل عمران:20)، وقوله تعالى:﴿ وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (الحج: 68)، فهذه الآيات الكريمة وأمثالها تغلق الباب أمام الحوار في العقائد، حيث أنها تحث النبي a في حال المجادلة على تفويض الأمر إلى الله، وعدم الخوض في الحوار الكلامي مع الآخرين.
هذا زيادة على أن قضايا العقيدة الإيمانية، يتعذر إخضاعها للمحاجة والجدل، ومن ثم