بنفسه، وبلا صانع، ولم يزل الحيوان من النطفة، والنطفة من الحيوان،
كذلك كان، وكذلك يكون أبداً وهؤلاء هم الزنادقة)
وذكر أن الطبيعيين (هم قوم أكثروا بحثهم عن عالم الطبيعة وعن عجائب
الحيوان والنبات، وأكثروا الخوض في علم تشريح أعضاء الحيوانات، فرأوا فيها من
عجائب صنع الله تعالى، وبدائع حكمته، مما اضطروا معه إلى الاعتراف بفاطر حكيم،
مطلع على غايات الأمور ومقاصدها، ولا يطالع التشريح، وعجائب منافع الأعضاء مطالع
إلا ويحصل له هذا العلم الضروري بكمال تدبير الباني لبنية الحيوان، لا سيما بنية
الإنسان..! إلا أن هؤلاء لكثرة بحثهم عن الطبيعة ظهر عندهم ـ لاعتدال المزاج ـ
تأثير عظيم في قوام قوى الحيوان به، فظنوا أن القوة العاقلة من الإنسان تابعة
لمزاجه أيضاً، وأنها تبطل ببطلان مزاجه فينعدم، ثم إذا انعدم فلا يعقل إعادة
المعدوم، كما زعموا، فذهبوا إلى أن النفس تموت ولا تعود فجحدوا الآخرة، وأنكروا
الجنة والنار، والحشر والنشر، والقيامة، والحساب، فلم يبق عندهم للطاعة ثواب، ولا
للمعصية عقاب، فانحل عنهم اللجام، وانهمكوا إنهماك الأنعام. وهؤلاء أيضاً زنادقة،
لأن أصل الإيمان هو: الإيمان بالله واليوم الآخر، وهؤلاء جحدوا اليوم الآخر، وإن
آمنوا بالله وصفاته)
وذكر أن الإلهيين (وهم المتأخرون منهم مثل سقراط وهو أستاذ أفلاطون
وأفلاطون أستاذ أرسطاطاليس وأرسطاطاليس هو الذي رتب لهم المنطق، وهذَّب لهم
العلوم، وحرر لهم ما لم يكن محرراً من قبل، وأنضج لهم ما كان فجاً من علومهم ـ وهم
بجملتهم، ردوا على الصنفين الأولين من الدهرية، والطبيعية، وأوردوا في الكشف عن
فضائحهم ما أغنوا به غيرهم ﴿ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾
(الأحزاب: 25) بتقاتلهم، ثم رد أرسطاطاليس على أفلاطون