لقد شعرت ـ وأنا أسير في الطائف بصحبة (الأمير) ـ برسول الله a، وهو يتجول في شوارع المدينة وأسواقها
يدعوها لربها ويهديها لسبيله.. بل شعرت، وكأن أحفاد أهل الطائف يكفرون عن ذنب
أسلافهم في مقابلة رسول الله a بما
قابلوه به، بذلك الإكرام وتلك الحفاوة التي أفاضوها على وريثه (الأمير)
وشعرت في نفس الوقت بأن رسول الله a هو سيد الوعاظ، ومعلمهم، وأن من لم
يتعلم الوعظ على يديه، فسيتيه في أودية الهوى، وسيغرق من يعظه وديان الردى.
سألت صاحبي عن سبب تركه للأمير بعد جميل صحبته له، فقال: لقد كان
الأمير رجلا رحالة.. لقد كان يشعر أنه كالطبيب الذي يبحث عن الأمراض ليعالجها..
فلذلك نهض ذلك اليوم باكرا، وحزم أمتعته، فسألته عن قصده، فقال: أنت
تعلم أن رسول الله a لم يترك سوقا، ولا قبيلة، ولا
مجتمعا، ولا أفرادا إلا وبث فيهم من أنوار الهداية ما يقيم به عليهم الحجة، ويدلهم
على المحجة.
قلت: ذاك رسول الله a.
قال: ولا خير فيمن لم يحمل من الهم ما كان يحمل رسول الله a.. إن الوارث لن يناله حظه من وراثة نبيه
إلا بعد أن يمتلئ قلبه ألما لكل معصية، وحزنا على كل عاص.
قلت: ما جاء ديننا إلا بالرحمة، فكيف تدعوني إلى الألم؟
قال: الرحمة هي التي تدعو إلى الألم.
قلت: كيف تقول هذا؟
قال: ألا تتألم عندما ترى الفقير الجائع، واليتيم الضائع؟