قال: أعظم الفقر أن تكون فقيرا من ربك، مستغنيا عنه، وأعظم اليتم أن
تكون بعيدا عن مولاك الذي لا خير إلا منه.
قلت: فأولياء الله يرون عباد الله بهذا المنظار؟
قال: أجل.. وقد ورثوا ذلك من رسول الله a.. فلذلك لا ترى لهم سرورا إلا في إقبال
الخلق على الله، واهتدائهم بهدي الله.
***
ما استتم صاحبي حديثه هذا حتى وجدنا أنفسنا قد قطعنا المرحلة الثانية
من الطريق من غير أن نشعر بأي عناء أو تعب..
لقد كان خيالي منصرفا تمام الانصراف لما يتحدث به صاحبي.. وكأني مع
ذلك النبي الواعظ الذي امتلأ العالم جميعا بأنوار عظاته، وتقوت بجمال كلماته.. ولم
يخطر على بالي طيلة هذه المرحلة ما كنا نقطعه من غابات موحشة، ومن سباع عادية
تتربص بنا من كل اتجاه.
لقد نزلت علي بمجرد قطعي لتلك المرحلة أنوار جديدة.. اهتديت بها بعد
ذلك إلى شمس محمد a.