قال (الأمير): إن ربي لم يأمرني بهذا، أمر ربي أن أوحده وأطيع أمره،
فقال تعالى:﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ
هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ (الذريات:56 ـ 58)
قال الأمير: هذه ألف دينار، خذها، فأنفقها على عيالك، وتقو بها على
عبادتك.
قال (الأمير): سبحان الله، أنا أدلك على طريق النجاة، وأنت تكافئني
بمثل هذا؟ سلمك الله ووفقك.
قال (الأمير) هذا، ثم انصرف تاركا الأمير لدموعه..
ظللت طيلة النهار أسير خلف (الأمير) من غير أن يشعر بي، وقد رأيته لا
يترك أحدا إلا وعظه ودعاه.
بعد أن رأيت كل ذلك اقتربت منه، وقلت: لكأني بك أحد الذين أبحث عنهم.
نظر إلي، وقال: إن كنت تبحث عن الذي يسيل ما جف من الدموع، ويلين ما
قسا من القلوب[1]، فقد ظفرت بحاجتك، وأنا ذلك
الرجل.
قلت: ففمك هو الفم الثاني.
قال: إن كان الفم الثاني هو فم الواعظ، ففمي هو فم ذلك الفم.
قلت: فهل تأذن لي في صحبتك لأتعلم على يديك من فنون الهداية ما
يجعلني وارثا من ورثة النبي a؟
قال: ذلك لك لا لي.. فما كان لي أن أرد من قصدني.
[1] أشير
إلى الحديث المعروف: وعطنا رسول الله a موعظةً بليغةً وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون،
فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودعٍ فأوصنا. قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع
والطاعة وإن تأمر عليكم عبدٌ حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً.
فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم
ومحدثات الأمور فإن كل بدعةٍ ضلالةٌ (رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن
صحيح)