قلت: كيف يكون ذلك لي، وأنا الذي أضع نفسي بين يديك لتعلمني مما علمك
الله؟
قال: إن تحليت بحلة أهل العلم، وتأدبت بآداب أهل الورع، كنت صالحا
لتلقي هذه العلوم، وإلا فإن في هذه العلوم فتنة، فلا تكفر.
قلت: فتنة.. أي فتنة؟.. هل الدعوة إلى الله فتنة؟
قال: ليست الدعوة إلى الله هي الفتنة.. ولكن الفتنة قد تعرض للداعية
إلى الله بما يراه من إقبال الناس عليه، فيتخذهم إلها من دون الله.
قلت: فما المخرج من ذلك؟
قال: أن لا تدعو إلا نفسك، وأن لا تعظ إلا نفسك.
قلت: إنما قصدتك ليجعل الله مني نورا من أنوار الهداية، فكيف أكتفي
بنفسي؟
قال: إذا وعظت غيرك، فكن في موعظتك لغيرك واعظا لنفسك، فلا خير فيمن
يعظ ولا يوعظ.
قلت: أكل ما سمعته منك كان مواعظ لنفسك؟
قال: أجل.. ولولا ذلك ما خشعت القلوب، ولا سالت الدموع؟.. لقد قال رسول الله a يدعونا إلى ذلك: (أوحى الله إلى عيسى
ابن مريم: عظ نفسك بحكمتي، فان انتفعت فعظ الناس، وإلا فاستحي مني)[1]
***
لم أصحب هذا الرجل الفاضل إلا أربعة أيام فقط.. ولكنها كانت ـ
بالنسبة لثمراتها وعلومها ـ كأربعة أعوام.. لقد كانت ـ كما قال ابن عطاء الله في
حكمه ـ:(رب عمر اتسعت آماده