غيره، ومن أحب الخير وفق له، ومن كره الشر جنبه، ومن رضي الدنيا من
الآخرة حظا فقد أخطأ حظ نفسه)
لقيه بعد ذلك رجل يظهر من مظهره أنه صاحب وظيفة دينية في تلك البلدة،
فأسرع إليه (الأمير)، وقال: أخي.. أنت مثل نفسي.. فاسمح لي أن أخاطبك بما أخاطب به
نفسي.
قال الرجل: قل ما بدا لك.. فلطالما أحييت قلوبنا الميتة، وأسلت
عيوننا الجافة.
قال (الأمير):(أوصيك ـ أخي ـ بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك
ورقيبك في علانيتك، فاجعله من بالك على حالك، وخفه بقدر قربه منك وقدرته عليك،
واعلم أنك بعينه ليس تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، فليعظم منه حذرك وليكثر منه
وجلك، واعلم أن الذنب من العاقل أعظم من الأحمق، ومن العالم أعظم من الجاهل، وقد
أصبحنا أدلاء بزعمنا والدليل لا ينام في البحر)
ثم سكت قليلا، وقال: لقد كان المسيح u يقصدنا حين قال:(حتى متى تصفون الطريق
للدالجين وأنتم مقيمون في محلة المتحيرين؟ تصفون البعوض من شرابكم وتسترطون الجمال
بأجمالها) أي أخي كم من مذكر بالله ناس لله، وكم من مخوف بالله جريء على الله وكم
من داع إلى الله فار من الله. وكم تال لكتاب الله منسلخ من آيات الله)
قال ذلك، ثم انصرف تاركا الرجل لدموعه.. سرت خلفه، فرأيته قصد جمعا
يبدو أن الخلاف دب بين بعضهم، فما إن رأوه حتى فتحوا له الطريق، فقال:(إن استطعتم
أن تكونوا كرجل ذاق الموت وعاش ما بعده، فسأل الرجعة، فأسعف بطلبه، وأعطي حاجته
فهو متأهب مبادر، فافعلوا، فإن المغبون من لم يقدم من ماله شيئا ومن نفسه لنفسه)
قال ذلك، ثم انصرف عنهم، وقد عالج ما حل بهم من غير خطبة ولا قضاء.
سرت خلفه، فلقيه رجل في موكب كمواكب الملوك والأمراء.. فلما رآه
(الأمير) أسرع، وكأنه يفر بنفسه، فأسرع خلفه بعض من كان في ذلك الموكب، وقال له:
إن الأمير