كان ينشد هذه الأبيات بلحن عذب، زاد في عذوبته امتزاجه بحشرجة الدموع..
وقد أسال من دموعي بإنشاده وخشوعه ما غسل بعض القسوة من قلبي.
بعد أن انتهى من إنشاده خرج من المقبرة، فسرت خلفه من غير أن يشعر بي..
كان أول ما صادفنا بعد المقبرة رجل يعرض سلعة في مدخل السوق، ما إن
رأى (الأمير) حتى أقبل مسرعا إليه، وقال: يا طبيب القلوب.. جد لي بموعظة تلين ما
قسا من قلبي.
نظر إليه (الأمير) نظرة ممتلئة بالرحمة، وقال: (يا ابن آدم إنما تغدو
في كسب الأرباح، فاجعل نفسك فيما تكسبه، فإنك لم تكسب مثلها)[1]
عاد الرجل إلى محله، وقد امتلأ عزيمة وإرادة.. وكأنه في ذلك الموقف
البسيط قد شحن قلبه بما يعيد له الحياة.
سرت خلفه.. فلقيه رجل آخر، وطلب منه ما طلب الأول، فقال (الأمير):(من
امتطى الصبر قوي على العبادة، ومن أجمع اليأس استغنى عن الناس، ومن أهمته نفسه لم
يول مرمتها
[1] هذه
الموعظة والمواعظ التي أضعها بين قوسين هي لابن السماك، كما في (صفة الصفوة)