عند دخولنا البيت استقبلنا ابن صغير[1] بأدب، ثم قال لجعفر: لقد أكملت
اليوم ـ يا جدي ـ حفظ كل ما طلبته مني من أذكار الصلاة، فإن شئت أن تمتحنني فيها
كما امتحنتني في غيرها فعلت.
نظر إلي جعفر، وقال: إن أذن ضيفنا فعلت.. فلا ينبغي للمضيف أن
يتفرغ لنفسه ولأهله، ويترك ضيفه.
قلت: بل يسرني ذلك.. فأنا ما صحبتك إلا لذلك.
قال جعفر: فقد أذن لنا ضيفنا، فهلم حدثنا عن أنواع أذكار
الصلاة.
قال الصبي: للصلاة ثلاثة أنواع من الأذكار لا تكمل إلا بها..
منها ما نص العلماء على فرضيته، ومنها ما اكتفوا بالقول بسنيته.. لكن العارفين لا
يفرقون بين الأمرين، فكل ما وصلهم عن نبيهم يعتقدونه فرضا لازما.
قال جعفر: فما هي؟
قال الصبي: أذكار تقال قبل الصلاة تمهد لها، وأذكار تقال
أثناءها تتم بها، وأذكار تقال بعدها تكملها.
قال جعفر: فحدثنا عن التي تقال قبلها.
قال الصبي: لقد شرع الله لذلك ما يسمى بالإقامة..
قال جعفر: فما سرها؟
[1] يرى القارئ لهذه الرسالة أن من أبطال بعض فصول هذه الرحلة
صبية صغارا ملمين بكثير من الحقائق.. ونحن نشير بهذا إلى أن هذا الدين دين
الفطرة.. وأن الحقائق التي يتحدث عنها هؤلاء الصبية هي حقائق الفطرة.. فخير من مثل
الفطرة براءة الطفولة، كما قال رسول الله a: (ما من مولود إلا ولد على الفطرة
فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من
جدعاء) رواه البخاري ومسلم.