لقد كان الإنسان في الأديان البدائية يرى نفسه أحطّ منزلة من
معظم المخلوقات والموجودات.. لقد كان يعبد من المخلوقات كل ما يخشَى شرَّه، أو
يرجو خيره؛ اتقاءً لضَرره، أو طمعًا في خيراته.
حتى الأديان التي ترقت عن هذا وقعت في عبودية رجال الدين كما نص
القرآن على ذلك في قوله:﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى
كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا
نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ
اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ (آل
عمران:64)، وفي قوله في وصفهم:﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ
أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا
لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾
(التوبة:31)
ولهذا، فإن الإسلام أعلن لجميع البشر بأن هذه المخلوقات كلها
إنما خُلِقَت لهم، ولم يُخلَقوا لها، وأنها مسخَّرة لهم؛ فلا يَليق بهم أن
يَسجُدوا لشيء منها، وقال لهم: أيها الناس؛ أنتم خلفاء الله في هذا العالَم، وقد
سخَّر لكم كل ما فيه جميعًا، إن الدنيا لكم ولستُم لها:﴿ أَلَمْ تَرَوْا
أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ (لقمان: 20)..
﴿ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ
بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (الجاثـية:12)
بل إن الله يعتبر الإنسان خليفة:﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ
لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ (البقرة: 30)..
وهو بذلك كل ألوان التكريم:﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾
(الاسراء: 70).. ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾
(التين:4)
فدَلَّت الرسالة المحمدية بذلك علَى أن موقف الإنسان من هذا
العالَم موقف السيد الكريم مما سُخِّر له، وموقف المتوَّج بتاج الخلافة الإلهية من
كل ما هو مُستخلَف فيه.
ولهذا فمن العجب أن يركع الإنسان لمخلوق، أو يسجد لما هو دونه،
أو يعبد شيئًا خلقه الله له، وكيف يفعل الإنسان ذلك وقد كرَّمه ربُّه وشَرَّفه
وفضَّله.