سكت قليلا، ثم قال: هذا مجرد مثال تنتظم فيه العقيدة بالأخلاق
لتكون الإنسان المترفع الحر.. الذي لا يتوجه بالركوع والسجود وكل ألوان العبودية
إلا لله.
مثال آخر.. وهو من الأخطاء التي وجدت الكثير من الديانات يقع
فيها.
لقد جاءت العقيدة الإسلامية تبشر الإنسان بأنه في أصله نزَّاع
إلى الخير، وأن فِطْرته بريئة في الأصل، ثم تطرأ عليها أعماله فتجعله آثمًا مذنبًا،
أو تقيًّا صالحًا؛ فسيئاته التي يقترفها هي التي تؤثِّر فيه؛ فتجعله شيطانًا
مَرِيدًا، كما أن حسناته التي تَصْدُر عنه هي الَّتِي تجلو نفسه وتهذِّبها؛ فيكون
بها مَلَاكًا طاهرًا.
إن هذه لبُشْرَى عظيمة، هتف بها محمد رسول الإسلام في بني آدم،
بعد أن كانت الأديان المنتشرة في الهند والصين من سالف الأيام تنشر الإيمان
بالتناسخ وبَعث الأرواح بعد موت أصحابها في أجساد أخرى: أرفع منزلة مما قبلها إذا
عملوا أعمالًا صالحة، أو في أجساد أذلّ وأحقر مما كانت فيه من قبل إذا اجترحوا
السيئات.. وقد ذهب إلى هذا التناسخ بعض الحمقى ممن ينتمون إلى حكماء الإغريق،
وجرَّ هذا الاعتقاد الفاسد وَبالًا عظيمًا على مُعتَقِديه؛ فأصبحت حياته حياة
إكراه وإجبار، ولا اختيار له فيما يعمل؛ فكأنه آلة صغيرة تحرِّكها آلة كبيرة،
وأنه وُلِدَ مُذنِبًا، بل ولادته في الدنيا نذير له بأنه مجرِم آثِم.
وجاءت المسيحية؛ فثبَّتت في الناس عقيدة أن كل مولود يحمل من
ساعة وِلادته خطيئة أبيه الأول آدم؛ فالمولود يُولَد آثِمًا مخطئًا وإن لم يكن
يخطئ في الواقع.. والمخطئ الآثِم بجِبِلّته يحتاج إلى المغفرة من شخص آخر لم يولد
آثِمًا ولم يخطئ بجِبِلّته؛ فيفدي هذا الشخص الأخير بنفسه خطيئة بني آدم؛ ليذهب
بسيئاتهم.. وهذا ما نشرته المسيحية المعروفة عند الناس؛ داعية بني آدم إلى الإيمان
بالفادي.
أما محمد، فقد بشَّر الإنسان بأنه يُولَد غير آثم ولا مجبول على
الخطيئة، ولا مسؤول عن خطيئة أبيه الأول آدم، وأنه يعيش عَيشة لا إكراه فيها ولا
إجبار، وهو مُخيَّر في حياته بين أن