لقد ورد في هذا النص الحث على خمسة أمور إيجابيّة.. كل واحدة
منها قمة من قمم الأخلاق، وأصل من أصولها: 1ـ برّ الوالدين وطاعتهما. و2ـ إيتاء كل
ذي حق حقه. و3ـ الإحسان إلَى اليتامَى. و4ـ الوزن بالقِسطاس المستقيم. و5ـ إيفاء
الكَيل. و6ـ الوفاء بالوعد.
وفيه خمسة أمور سلبيّة.. 1ـ لا تقتل أولادك. و2ـ لا تقتل نفسًا.
و3ـ لا تقرب الزِّنا. و4ـ لا تَقْفُ ما ليس لك به عِلْم. و5ـ لا تبذِّر في النفقة
واقتصد فيها.
فإذا قارنتم بين ما جاء به القرآن من الأحكام الأساسية، وما جاء
به الإنجيل والتوراة؛ تتبين لكم حقيقة الرسالة المحمدية، ويتضح لكم أنها أكملت ما
كان ناقصًا في الرسالات السابقة الَّتِي لم تهتم بذكر الأحكام الأساسيّة.. ولم
تقتصر رسالة الإسلام علَى تكميل هذا النقص؛ بل عُنيت بحَلّ مُعضلات المجتمع البشري
في الأخلاق، ووَجَّهت الإنسانية إلَى الطريق المثلى في قُواها، ونبَّهت الإنسان
إلَى نقائصه وعيوبه وأمراضه النفسيّة، ووصفت له دواء من كل داء من أدواء النفوس،
وأخذت بيده إلَى الجادة الوسطى في الأعمال والأخلاق والمعاملات، هذا ما أكملته
الرسالة المحمدية من الناحية العملية.
سكت قليلا، ثم قال: لا تظنوا ما جاء به الإسلام في هذا الباب
مجرد استدراك أو تعقيب على ما سبقه.. لا.. الأمر أعمق من ذلك بكثير..
فالإسلام بنى ما أتى به من مكارم الأخلاق على منظومة كاملة
تجتمع فيها جميع نواحية..
سأضرب لكم مثالا على ذلك تتأسس عليه الأخلاق، ولا يمكن أن يقوم
بنيانها على غيره.. وهو كرامة الجنس البشري، ومكانته من سائر المخلوقات.
فالإنسان لا يمكن أن تكتمل فيه الأخلاق إلا إذا شعر بإنسانيته
وكرامتها، فترفع أن يهينها بأي نوع من أنواع المهانة.