قلت: صدقت.. لقد التقيت في يوم من الأيام
في سوق من أسواق بغداد وارثا لا تزال ذكراه عالقة في ذهني..
قال: ذلك الذي علمك الورع..
قلت: لكأني بك تعرفه.
قال: تقصد بشرا.. إن بشرا هو وارث من
ورثة الورع النبوي.
قلت: اعذرني.. لقد نسيت أنك متوسم..
قال: فلذلك أردت أن أذهب بك إلى هذا
السوق.. فالإنسان الكامل يحتاج إلى لباس يلبسه، وآداب يتحلى بها حين يلبسه.
سرت مع الصالحي إلى ذلك السوق الذي حدثني
عنه.. فرأيته سوقا في منتهى الجمال والتناسق.. وقد كانت روائح الورع تفوح منه كما
كانت تفوح في ذلك السوق من أسواق بغداد.
وقد كانت ذلك السوق ـ على ما يبدو منه ـ
مختص في اللباس العربي القديم.. فلم أر فيه أي لباس من الألبسة التي تستعمل هذه
الأيام.
سألت الصالحي، وقلت: أهذا السوق يعادي
الحداثة؟
قال: وكيف عرفت ذلك؟
قلت: أرى كل الثياب المعروضة هنا من
النوع العتيق الذي نفر منه الكثير من المعاصرين.. بل أنت نفسك لا أراك تلبسه.
قال: الحداثة لا ترتبط باللباس..
والحداثة لا يمكن اعتبارها قيمة تحترم بها الأشياء أو تحتقر.. فالإنسان هو الإنسان
قديما أو حديثا.. في القديم كان الأولياء والأشقياء، وفي الحديث كذلك.. ولا يمكن
في موازين العدل الإلهية أن يميز الناس على أساس أعصارهم.
قلت: أسلم لك بهذا.. ولكن هناك شيئا في
عصرنا يسمى (الموضة) وعلى أساس يرمى