قال: لقد ذكر رسول الله a ذلك، فقال: (تعس عبد الدينار، وعبد
الدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك[1]، فلا انتقش[2][3]
إن هذا الحديث الشريف يدعو الإنسانية
جميعا لأن تتحرر من ربقة العبودية التي يضعها فيها تجار الأزياء.. أولئك الذين
يخترعون كل يوما لباسا ليستعبدوا البشر من خلاله.
قلت: أيصل الأمر إلى درجة الاستعباد؟
ربت على كتفي رجل، وقال: أجل.. الإنسان
الكامل المحرر هو الذي أعتق من غير الله تعالى، فصار حراً مطلقاً، فإذا تقدمت هذه
الحرية صار القلب فارغاً، فحلت فيه العبودية لله فتشغله بالله وبمحبته، وتقيد
باطنه وظاهره بطاعته، فلا يكون له مراد إلا الله تعالى، ثم يتجاوز هذا إلى مقام
أسمى منه يسمى (الحرية)، وهو أن يعتق أيضاً عن إرادته لله من حيث هو، بل يقنع بما
يريد الله له من تقريب أو إبعاد فتفنى إرادته في إرادة الله تعالى، وهذا عبد عتق
عن غير الله فصار حراً، ثم عاد وعتق عن نفسه فصار حراً، وصار مفقوداً لنفسه
موجوداً لسيده ومولاه، إن حركه تحرك وإن سكنه سكن، وإن ابتلاه رضي، لم يبق فيه
متسع لطلب والتماس واعتراض، بل هو بين يدي الله كالميت بين يدي الغاسل[4]..
قاطعه الصالحي، وقال: رويدك يا أخي..
فأنت تتحدث عن مقامات عالية لا طاقة لنا بها.
قال الرجل: ولن يكمل الإنسان إلا بها..
ولن يكون وارثا إلا بالتحقق بها.
[1] أي أصابته شوكة أو بلية عظيمة كناية بالشوكة عنها.