ونصوا على أنه يحرم على القاضي أن يحكم
بعلمه منعاً لاتهامه وتحيزه، والطعن في حياده.
وفوق ذلك كله.. فقد أمر رسول الله a القاضي أن يكون في حالة نفسية طيبة
تسمح له بالتحقيق وبالحكم، ففي الحديث: (لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان)[1]، وفي حديث آخر قال a: (لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان
ريان)[2]
قال ذلك متوجها به للقضاة، ثم التفت إلى
المحل الذي جلس فيه الخصوم، وقال: وأما أنتم، يا من لجأتم لهذه المحكمة للبحث عن
العدالة، فإني أذكركم الله، فإن القاضي لا يحكم إلا بما تظهره له الأدلة.. فمن كان
منكم غاشا أو مخادعا أو مزورا، فليحذر من الله، فإن محكمة الله العادلة ستقيم عليه
من العدل ما لم تستطع محاكم الدنيا أن تفي به.
لقد حدثت أم سلمة أن رسول الله a سمع جلبة خصمين بباب حجرته فخرج
إليهما، فقال: (إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن
بحجته من بعض فأقضى له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذ منه
شيئا، فأنا أقطع له قطعة من النار)، فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما لصاحبه: حقي
لك، فقال رسول الله a:
(أما إذا فعلتما ذلك فاقتسماه وتوخيا الحق ثم استهما ثم تحللا[3].
وقال رسول الله a في ذلك: (من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه الله من سبع أرضيين)[4]