يستشفعون به إلى رسول الله a فلما كلمه أسامة فيها تلون وجه
رسول الله a فقال:
(أتكلمني في حد من حدود الله) قال أسامة: يا رسول الله استغفر لي، فلما كان العشي
قام رسول الله a خطيبا
فأثنى على الله تعالى بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد فانما أهلك الناس أنهم كانوا
إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفسي
بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)[1]
وعن علي قال: بعثني رسول الله a إلى اليمن قاضيا، وأنا حدث السن ولا علم
لي بالقضاء، فقال: (إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان
فلا تقضين حتى تسمع الآخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء)، قال:
فما زلت قاضيا أو ما شككت في قضاء بعد[2].
وبناء على هذا، فقد أجمع
فقهاء الإسلام على أن على القاضي أن يكون حيادياً، فلا ينحاز لأحد دون أحد، وأن
يعتبر طرفي الخصومة على قدم المساواة، وأن يتجرد عن كل مصلحة له أو علاقة مع
أحدهما.
ونصوا على أن على القاضي أن يساوي بين
الخصوم في مجلس القضاء في كل شيء، بالجلوس والسلام والنظر والمخاطبة.
ونصوا على أنه يحرم على القاضي مسارة أحد
الخصمين دون الآخر، أو تلقينه حجته، أو تعليمه كيف يدعي إلا أن يترك ما يلزمه
ذكره في الدعوى ليتضح للقاضي تحرير الدعوى.
ونصوا على أنه يحرم على القاضي أن يضيف أحد
الخصمين أو يستضيفه لئلا يكون إعانة على خصمه وكسر قلبه، وأنه يحرم على القاضي أن
يقبل الهدية ممن لم يكن يهديه قبل ولايته أو ممن كانت له حكومة مطلقاً؛ لأن
قبولها ممن لم تجر عادته بمهاداته ذريعة إلى قضاء