رأيت الدموع تنحدر حارة من بعض الخصوم، ثم إذا بأحدهم يصيح بصوت
يملأ أركان قاعة المحكمة: (أستغفر الله.. أنا المذنب.. فطبقوا علي من حدود الله ما
يطهرني من ذنوبي.. إن جسمي يطيق عقاب الدنيا.. ولكنه لن يطيق عذاب الآخرة..)
ثم قال آخر مثل ذلك..
ولم يبق أحد في منصة الخصوم إلا قال ذلك إلا الرجل الذي ادعى
على محمد المهدي، فقد ظل مصرا على دعواه..
بعد أن انتهى الواعظ من وعظه[1] جاء دور القضاة.. وقد تقدم أحدهم،
وقال: بارك الله في أخينا ابن السماك[2].. لقد ملأ قلوبنا بالمخافة من
الجور والظلم.. ونحن نستغفر الله قبل النطق بأي حكم.. وندعو الخصوم أن يراجعوا
أنفسهم، فما غاب عنا لن يغيب عن الله.
قال ذلك، ثم نطق بالحكم.. وقد أسفت كثيرا عندما سمعت القاضي
يحكم للمدعي على (محمد المهدي).. لكن محمدا المهدي لم يظهر عليه أي أسف، بل رأيته
يتوجه إلى الله حامدا شاكرا.
اقتربت منه، وقلت: لقد حكم قاضيك ضدك.
قال: الحمد لله.. لقد تحققت لي الأسوة برجل امتلأت له حبا من
مفرق رأسي إلى أخمص قدمي.
قلت: من هو؟
قال: أمير المؤمنين ابن عم رسول الله a على بن أبي طالب..
قلت: ما الذي حصل له؟
[1] السنة المطهرة بحسب ما ذكرنا من حديث أم سلمة تدل على
أهمية تقديم الوعظ قبل الحكم وتأثيرها.
[2] ابن السماك واعظ من كبار وعاظ الإسلام، وقد كان يعظ بين يدي
الحكام.