قال: ما تقول في خلوة الطالب مع دروسه..
قصده من ذلك أن يصير طبيبا يداوي علل الناس.. ودروسه تقتضي ذلك التفرغ التام..
أهذا خير أم طالب لا يجالس دروسه إلا قليلا، وهو يتصور أن الحياة تحتاج إلى خروجه
إلى الناس ومخالطته لهم؟
قلت: لاشك أن الأول أقوم رأيا.. فلا يمكن
لطالب علم أن يحصل علومه، وهو منشغل عنها بأي شاغل.
قال: وهكذا السلوك إلى الله وقطع مفاوز
النفوس.. إنه يحتاج في أحيان كثيرة إلى خلوة يراجع فيها الإنسان سلوكه، ويداوي
قلبه، ويصلح ما بينه وبين ربه.. ولذلك..
قاطع جعفر ابنه، وقال: إن الوقت قد حان
للرحيل.. فإن شئت أن تسير معي، فهيا.. فلا يمكن أن تعرف شيئا ما لم تجربه.
قلت: ولا يمكن أن أجرب شيئا دون أن أعلم
فائدته، وماذا أعمل فيه.
قال جعفر: أما فائدته فقد علمتها نظريا..
ويمكنك أن تتعلمها عمليا.. وأما الكيفية..
قاطع علي أباه، وقال: فقد ذكرها رسول
الله a في قوله: (سبعة يظلهم الله في
ظله يوم لا ظل إلا ظله)، وذكر منهم (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)[1].. فليس لمن دخل في الخلوة شغل
غير ذكر الله..
سرت مع جعفر إلى ضاحية من ضواحي القدس..
وهناك دخلنا بيتا هو أشبه بالزاوية قد فرشت فيه بعض الفرش التي جلس عليها قوم من
الناس كانوا مستغرقين تماما في ذكر الله..
جلسنا معهم نردد ما يرددون..
وقد بقينا كذلك أسبوعا كاملا.. لم يكن
لنا من شغل إلا ذكر الله.. ولم نكن في ذلك