يرتقي، حتى كان كقاب قوسين أو أدنى، وهي
النهاية. فإذا كان هذا في الرسل فكيف به في الأتباع؟! لكن بين الرسل والأتباع فرق،
وهو أن الأتباع يترقون في مقامات الولاية ـ ما عدا مقام النبوة، فإنه لا سبيل لهم
إليها، لأن ذلك قد طُويَ بساطه ـ حتى ينتهوا إلى مقام المعرفة والرضا، وهو أعلى مقامات
الولاية.
ولأجل هذا تقول الصوفية: من نال مقاماً
فدام عليه بأدبه ترقى إلى ما هو أعلى منه، لأن النبي a أخذ أولاً في التحنث ودام عليه بأدبه،
إلى أن ترقى من مقام إلى مقام، حتى وصل إلى مقام النبوة، ثم أخذ في الترقي في
مقامات النبوة حتى وصل به المقام إلى قاب قوسين أو أدنى كما تقدم، فالوارثون له
بتلك النسبة؛ من دام منهم على التأدب في المقام الذي أُقيم فيه ترقى في المقامات
حيث شاء الله، عدا مقام النبوة التي لا مشاركة للغير فيها بعد النبي a)[1]
التفت إلى جعفر، وقلت: إن ما ذكرته قد
يعارض بأن ما فعله محمد كان قبل البعثة.. والتكاليف لم تكن إلا بعد النبوة.. فلا
يصح الاستدلال بما قبل النبوة من تصرفات.
قال جعفر: أهل الله ينظرون إلى المسألة
من زاوية أعمق من الزاوية التي أشرت إليها.. وهم لذلك يعتبرون رسول الله a أسوة في كل حياته.
قلت: وما الزاوية التي ينظر من خلالها أهل
الله إلى محمد؟
قال: إن رسول الله هو الإنسان الكامل
الذي اختاره الله لأعظم وظيفة، و﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ
رِسَالَتَهُ ﴾
(الأنعام: 124)..
ولو لم يكن لمحمد a من الكمال الإنساني قبل البعثة
ما كان أهلا لهذه الوظيفة العالية.. وبما أن أهل الله هم طلاب الكمال والقرب،
فلذلك أخذوا من رسول الله كل شيء.. لا يسألون في ذلك هل كان قبل البعثة أو بعدها.
قلت: وعيت هذا.. ولكن ألا ترى في
الاختلاء انقطاعا عن الحياة.. ومحمد لم يأت إلا
[1] شرح مختصر البخاري للإمام الحافظ أبي محمد عبد الله بن أبي
جمرة الأزدي الأندلسي ج1/ص10 - 11.