قال صوت آخر: منذ اليوم سنطلق كل أولئك الفقهاء
والمفسرين الذين اتخذوا الدين حرفة.. فراحوا يفسرون كلام ربهم وهدي نبيهم بحسب
أهوائهم..
قال آخر: لن يحتكر كلام ربنا ورسالته إلينا أحد من
الناس.
قال آخر: ولن يحتكر سنة نبينا أي كان..
قال آخر: منذ اليوم سنقوم بحملة لتنظيف ذلك الهدي
السامي الممتلئ بالرحمة من أولئك البدو الجفاة الغلاظ الذين شوهوا رحمة نبينا،
ورفق ديننا، وسماحة شريعتنا..
تعالت الأصوات الكثيرة.. والتي انضمت إليها الجموع
الغفيرة.. وقد سمعت أن صدى تلك الأصوات قد وصل إلى البلاد المجاورة.. فراحت هي
الأخرى تفعل ما تفعل جارتها، وتنادي بما تنادي..
كان لي شوق عظيم لأرى ما تفعل هذه الجموع الثائرة..
لكن رسالة مستعجلة من أخي وصلتني ذلك المساء حالت بيني وبين تحقيق تلك الأمنية
الغالية..
ذهبت إلى المطار، ثم ذهبت إلى أخي في مقره الحساس..
وهناك.. وقبل أن أدخل عليه سمعت صوتا يتحدث معه.. كان أشبه الأصوات بذلك الشيطان
الذي سلم له القوم عقولهم وقلوبهم فراح يملؤها بمكره وكيده.
سمعته يقول لأخي، وهو غاضب غضبا شديدا: لقد عادوا
أخيرا.. لست أدري ما الذي جاء بهم.. لقد استعملت كل وسائلي لتنسى أسماؤهم.. وتهمل
أخبارهم.. وترمى في أتون الجحيم بدعهم وأفكارهم.
لكنهم مع ذلك عادوا..
في عهد محمد اجتهدت في أن يطردوا.. لكن ربه أعلمه
بهذا الكيد، فأنزل عليه قوله:﴿
وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ
حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ
(52)﴾ (الأنعام)