في اليوم الحادي عشر استيقظت على جلبة لم أتعود
عليها في تلك البادية القاسية..
لقد رأيت جماهير الناس تسرع إلى شيء لم أتبينه..
فرحت أسرع من غير أن أدري لم، ولا أين..
ولكني من خلال أصوات الجموع التي كانت ترتفع بقوة
عرفت سر تلك السرعة، وسر تلك الجموع..
سأحكي لك بعض ما سمعت، وبعض ما رأيت.. ثم أترك لك
بعد ذلك حرية الحكم على ما رأيت وما سمعت.
كان أول صوت سمعته صوت امرأة، وقد عرفت أنها
سمية.. تلك التي حدثتك عنها عند حديثي عن المستضعفين.. كانت تصيح بصوتها الجهوري
قائلة: ها قد جاء الزمن الذي تعود فيه رحمة الإسلام لتشمل العالمين.. لقد بلينا
بمن شوهها من الفقهاء والعلماء وحكام السوء والوزراء الظلمة والعمال الطغاة
المرتشين..
واليوم لن يبقى واحد منهم.. سنرميهم جميعا في ذلك
الجحيم الذي رموا الأمة فيه أمدا طويلا..
لن يحكمنا منذ اليوم فرعون.. ولن يفتي لنا منذ
اليوم بلعم بن باعوراء.. ولن يحدثنا منذ اليوم كعب الأحبار.. ولن يقص علينا وهب بن
المنبه.
قال صوت آخر.. وكان أشبه الأصوات بصوت أبي ذر
يصيح: منذ اليوم لن يبقى خبز الفقراء بيد الأغنياء.. منذ اليوم سيستعيد الفقراء
حقوقهم التي اكتنزها الأغنياء..
قال صوت آخر: منذ اليوم سنعيش الإسلام الحقيقي..
ذلك الإسلام الذي لا يعرف إلا الرحمة والسلام والعدالة والرفق.. ذلك الإسلام الذي
أراد المحرفون أن يشوهوه، ليحجبوا شمسه عن العالمين..