الذي يعيشون فيه: لا تتألموا.. فالألم سيحول بينكم وبين
التأثير.. التزموا أنتم الجادة.. ولعلكم إن لم تستطيعوا أن تقنعوا الناس بالمقال،
أن تقنعوهم بالفعال.. فأكثر الناس تقنعهم الفعال أكثر مما تقنعهم الأقوال.
قلت: هذا معنى آخر جميل..
قال: لقد وردت النصوص الكثيرة تجمع بين الإيجابيتين إيجابية
المقال، وإيجابية الفعال.. وكما سقت لكم النصوص التي تدل على إيجابية المقال،
فسأذكر لكم بعض النصوص الشديدة التي تحث على إيجابية الفعال.
أول مصادرنا المقدسة هو القرآن الكريم.. فلذلك سأبدأ به..
لقد قال الله تعالى موبخا أهل الكتاب :﴿ أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ
وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ
(44)﴾ (البقرة).. في هذه الآية يخاطب الله أهل الكتاب، ليقول لهم: كيف يليق
بكم - يا معشر أهل الكتاب، وأنتم تأمرون الناس بالبر، وهو جماع الخير - أن تنسوا
أنفسكم، فلا تأتمروا بما تأمرون الناس به، وأنتم مع ذلك تتلون الكتاب، وتعلمون ما
فيه على من قَصر في أوامر الله؟ أفلا تعقلون ما أنتم صانعون بأنفسكم؛ فتنتبهوا من
رَقدتكم، وتتبصروا من عمايتكم[1].
وفي آية أخرى، يقول الله تعالى مخاطبا المؤمنين من هذه الأمة
موبخا لهم :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا
تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا
تَفْعَلُونَ (3) ﴾ (الصف)
وفي آية أخرى أخبر الله عن شعيب u أنه قال لقومه :﴿ قَالَ يَا
قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ
رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ
إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا
بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)﴾ (هود)
سكت قليلا، ثم قال: لتفهموا المحل الذي تنزل فيه هذه الآيات..
فاسمعوا هذه الحادثة