كانت
هذه الخواطر المليئة بالكدر تلح علي، وتملؤني بالألم..
لكني
عندما تذكرت ذلك الضيف الغريب الذي دق باب بيتي، وراح يخبرني عن تفاصيل في حياتي
لم يكن يعلمها سواي سرت نشوة لذيذة إلى مشاعري مسحت تلك الأحزان التي تسربت إليها..
لأني رأيت من خلال ملامحه أنه يحمل أسرار من علم العدالة لا يمكن أن أستفيدها من
سواه.
أسرعت
إليه أحمل طعام الإفطار.. وأنا ممتلئ أشواقا إلى حديثه.
استقبلني
بابتسامة ممتلئة بالإيمان، وقال لي مفاجئا: لا يمكن أن تتحقق النبوءة الثانية قبل
أن تتحقق الأولى.. فأبشر.
قلت:
ما تقصد؟
قال:
لا يمكن للبشر ـ ما داموا بشرا ـ أن يدركوا قيمة العدل حتى يحترقوا بنيران الجور..
فلذلك كان الجور هو علامة العدل.. كما أن العطش هو علامة الري.. والمرض علامة
الشفاء.
قلت:
لا أزال لا أفهم.
قال: عندما تجرب البشرية كل مناهجها..
وعندما يمتلئ البشر يأسا من أن تسن لهم عقولهم قوانين العدل الشاملة.. حينذاك فقط
يلجأون إلى الله يطلبون منه تلك القوانين.. فإذا لجأوا إلى الله هداهم إلى
الإسلام، وإلى مهدي الإسلام، ذلك الذي يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا.
قلت:
لم كان الأمر كذلك؟.. لم لم يظفر البشر بالعدل من غير حاجة إلى المرور على صراط
الجور.. ذلك الصراط المليء بالمآسي؟
قال:
هذه سنة الله مع عباده ليتميز المحسن من المسيء، والعدل من الجائر، والساعي للخير
من الساعي للشر.. ولن تعرف قيمة الخير إلا بمقارنتها بقيمة الشر، كما لا تعرف قيمة
النور إلا بمقارنته بالظلمات.