قال: أرأيتم لو أن رجلا كان له مال كثير.. وكان مفرقا في
مواضع مختلفة.. وقد كان له لذلك وكلاء في كل محل من المحلات.. ثم إن بعضهم تمرد
عليه، وراح يعبث بماله ويتلاعب به[1]؟
قلنا: هذا لص متمرد طاغية.
قال: لم؟
قلنا: لأنه تصرف فيما لا يملكه بغير حق.
قال: فهكذا الأمر بالنسبة لله تعالى.. ولله المثل الأعلى..
فكل إنسان تمرد على ربه.. واعتقد أن المال ماله، وأنه لا يحق لأحد أن يتحكم فيه
فقد طغا وبغا وظلم..
لقد ضرب الله المثل لهذا بحضارة من حضارات الطغيان.. هي
حضارة ثمود.. كانت هذه الحضارة تمارس كل الانحرافات الاقتصادية.. وكان من أهمها
الطغيان.. والذي تجلى بصورته الفاضحة في تطفيفهم للمكاييل والموازين.
وقد أخبر القرآن الكريم عن النفس الذي ينبع منها هذا السلوك
عند ذكره لمخاطبة نبيهم صالح u لهم..
وكان من تلك المخاطبات قوله لهم :﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا
لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي
أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84)
وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا
النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّةُ
اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ
بِحَفِيظٍ (86)﴾ (هود)
[1] هذا المثل مقتبس من قوله
تعالى :﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ
سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ
لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الروم:28) أي: هل يرتضي أحد منكم أن يكون عبده شريكًا له
في ماله، فهو وهو فيه على السواء ﴿ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ
أَنْفُسَكُمْ ﴾ أي: تخافون أن يقاسموكم الأموال..
قال أبو مِجْلَز: إن مملوكك
لا تخاف أن يقاسمك مالك، وليس له ذاك، كذلك الله لا شريك له.