قال: أجل.. لقد بحثت عن
الإنسان مثلما بحثت أنت.. ووجدت من الشياطين من وجدت.. ولكني لم أستسلم كما
استسلمت.. بل سارعت إلى ربي.. وصحت على هذا الجبل.. وفي المحل الذي أردت أن تسلم
نفسك فيه للموت، وقلت بمنتهى العجز والضراعة والفقر: يا رب.. أنا عاجز أن أعلم
حقيقتي وأعلم وظيفتي.. فدلني.
قلت: فهل نزل عليك الملاك الذي
نزل على الأنبياء يدلك؟
قال: لا.. لقد وجدت راعيا في
هذه المراعي.. كان اسمه محمدا.. وكان أشبه الناس بتلك الشمس العظيمة التي أضاءت
الوجود، ولا تزال تضيئة، لولا تلك الغيوم التي يرسلها قومي وقومك.. ومن ذلك اليوم
طلقت جميع أسمائي، وتسميت باسم محمد.
قلت: فهل دلك محمد على
الإنسان.. وحقيقة الإنسان؟
قال: أجل.. وقد شعرت في كلامه
من الصدق والحقيقة ما ملأني بالأمل والبشارة والسلام.. لقد شعرت بالكرامة العظيمة
التي يحملها هذا الإنسان.. وتذوقت قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي
آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ
وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ (الإسراء :
70)
لقد شعرت أني مخلوق مفضل.. له
كرامة.. وله قرب وعناية عند بارئه.. وفوق ذلك شعرت أني أنتمي إلى الله، فأنا عبده،
وهو ربي الذي يكلؤني ويحفظني ويعتني بي ويربيني..
ثم قرأ علي محمد قوله تعالى وهو
يصف القرار الإلهي بخلق الإنسان وبداية خلقه وما حصل في تلك البداية من أنواع
التكريم:﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي
الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ
الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ