قال: أجل.. ولا أرى أن أحدا من
الناس يخالف في ذلك.. فكلنا يعرف تأثير باطن الإنسان وما يحمله من مشاعر وأفكار في
حياته.. حتى الإسلام لا ينكر ذلك.. لقد ورد في القرآن الإشارة إلى هذا اللاشعور
الذي لا يكاد صاحبه يعلمه.. ففي القرآن :﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ
فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ (طـه:7).. فالخفي ليس إلا تلك
المعاني الخفية التي يمتلئ بها باطن الإنسان.
قلنا: فقد تأثر فرويد بما جاء
به من علم بالقرآن؟
قال: ليته فعل ذلك.. إذن لوقى
نفسه، ووقى البشرية من مهالك تلك النظريات التي جاء بها، والتي لبست لباس العلم
لترمي البشرية في أتون الرذيلة.
قلنا: فحدثنا عما لقنك هذا
الأستاذ من علوم.
قال: لقد بدأ هذا الأستاذ،
فعمق في نفسي الهوة التي كانت قد بدأت تتوسع بيني وبين الدين.. فقد كان أول لقاء
لي به سنة 1927م، وكنت حينها صحفيا.. وقد كلفتني الجريدة التي أعمل فيها بإجراء
حوار معه.. وقد كان في ذلك اللقاء يستخف بالدين، ويحتقره احتقارا شديدا[1]..
أذكر أنه بعد نشر المقابلة كتب
له أحد الأطباء الأمريكيين الشبان خطابا لامه فيه على عدم إيمانه هذا، وسرد له في
خطابه قصة مؤثرة عن كيفية رجوعه للإيمان بعد شك في وجود الله جاء نتيجة لتأثره
بوفاة مريضة عجوز بريئة ملامح الوجه؛ كما ذكر هذا الطبيب الشاب في خطابه
[1]
وهذا لا ينفي كونه يهوديا متعصبا.. فاليهودية ـ كما هي في الواقع والتاريخ ـ دين
قومي لا يهمه التوجه الديني بقدر ما يهمه الارتباط العنصري.. وقد ذكر المسيري
الكثير من الأمثلة على علاقة فرويد باليهودية، ومن ذلك أن فرويد كان كثيراً ما
يتباهى باليهودية وبانتمائه اليهودي، فكان يرى أن الشعب اليهودي قَدَّم التوراة
للعالم، وأن اليهودية مصدر طاقة لكثير مما كتب.
وقد أكد أكثر من
مرة أنه كان دائماً مخلصاً لشعبه « ولم أتظاهر بأنني شيء آخر: يهودي من مورافيا
جاء أبواه من جاليشيا)، (انظر: الموسوعة اليهودية للمسيري)، وقد أشرنا إلى هذا
بتفصيل في (ثمار من شجرة النبوة) من هذه السلسلة.