هذا وأمثاله على خلاف الشرع،
فيسهل عليه طريق إبطال الشرع)، مع أن الشرع لم يتعرض لهذه العلوم نفيا ولا
إثباتا،ولا في هذه العلوم تعرض للأمور الشرعية.
وقد انجر عن هذا المنهج نوع من
الشعور بالتصادم بين العقل والدين، فإن تلك القضايا من الوضوح والدقة، وبراهينها
من الوضوح والقوة بحيث لا يمكن رفضها؛ ورفض العلماء لها بحجة منافاتها للدين كذب
عليه، وخدمة للملحدين والمشككين، وهو ما حصل في أوروبا عندما أنكرت الكنيسة الكثير
من الكشوف العلمية التي تتنافى مع موروثاتها اليونانية وغيرها، مما أدى إلى النفور
من الكنيسة، والتمكين للإلحاد.
قالوا: هذه الطائفة الأولى..
ولا يزال ـ للأسف ـ لها وجود واقعي خطير.. فما الطائفة الثانية؟
قال: هم طائفة عكس الأولى.. فهم
يرون القبول الكلي لما ورد في تلك الفلسفات والثقافات.. بل يرون طرح الدين بسببها
والانخداع بمظاهرها.. لقد قلت واصفا هذه الطائفة في مقدمة كتابي (تهافت الفلاسفة)
: ( أما بعد، فإني رأيت طائفة يعتقدون في أنفسهم التميز عن الأتراب والنظراء بمزيد
الفطنة والذكاء قد رفضوا وظائف الإسلام، واستحقروا شعائر الدين، بل خلعوا بالكلية
ربقة الدين بفنون من الظنون يتبعون فيها رهطا يصدون عن سبيل الله، ويبغونها عوجا)
وقد رأيت أن ذوبان هذا التيار
في تلك الثقافات لا يرجع إلى تحكيم الموازين العقلية بقدر رجوعه إلى أوهام وخيالات
وأسباب النفسية.. منها إطناب طوائف من متبعيهم في وصف عقولهم ودقة علومهم، وأنهم
مع كل ذلك الذكاء منكرون للشرع متنصلون من تكاليفه.
ومنها مصادرتهم العامة على
مطالبهم المعرفية استدراجا لهم.. فقد كانوا إذا ما أوردوا عليهم إشكالا تذرعوا بأن
هذه العلوم غامضة، وأنها أعصى العلوم على الأفهام الذكية، ولا يمكن التوصل إلى
فهمها إلا بتقديم الرياضيات والمنطق، وهذا كله استدراج نفسي للوصول