المضطهدين.. وقد وكلت من تعرفه بأن يهيئ
لنا الجو الخاص بهذا اليوم.. ولعله قد نضج.
قلت: ألا تخاف أن يظهر ذانك الرجلان؟
ابتسم، وقال: حتى لو ظهرا.. فليس لديهما
مثل هذا الصليب، وليس لنبيهم مثل هذا الصليب.
سرنا إلى محل هو أشبه بمحل اعتقال، كانت
أرواح الاستضعاف فيه تفوح من بعيد، ولكنه مع ذلك كان يخفي همما للنهوض، تبرز في
الكلمات المنبعثة، وفي الصيحات المرتفعة.
ما إن وصلنا، حتى سمعنا بعضهم يصيح: يا
قوم.. قد تسجنون إذا ذكرتم هذا، وقد يسلط عليكم المستكبرون في السجون من ألوان العذاب
ما لا تطيقون.
قال آخر: فليكن ذلك.. فالآمال لا تنبتها
إلا الآلام..
قال آخر: إن الثبات على تلك الآلام
يستدعي أن نلبس نفوسا خاصة لا نجدها في ذواتنا.. لقد هددنا المستكبرون بألوان من
العذاب لا تطيقها أجسادنا الضعيفة.
هنا نطق مستأجر بولس، وقال: فلنضع المسيح،
وصليب المسيح بين أعيننا.. وحينذاك سنقاوم العالم أجمع.
التفت إليه الجمع، وقالوا: من المسيح..
وما صليبه؟
هنا تدخل بولس بتلك الهيئة العجيبة، وقال:
هذا هو صليب المسيح.. وإن شئتم أن تروا صورته، فقد لبست من اللباس ما يشير إلى
صورته.
نظر الجمع إلى بولس بألم، وقالوا: لقد
تألم هذا الرجل كثيرا إذن؟
بولس: وقد كان في إمكانه أن لا يتألم [1].. لقد كان يحمل طاقات كثيرة،
ومع ذلك تخلى عنها جميعا ليصلب من أجلنا.
[1] هناك رد مفصل على ما يزعمه
المسيحيون من صلب المسيح، وما يفهمونه منه في رسالة (أسرار الإنسان) من هذه
السلسلة.