قال عبد القادر: ومن النبوءات الغيبية
المرتبطة بالزمن الماضي، والتي وردت في القرآن الكريم، والتي دل التاريخ على صدقها
ما نص عليه قوله تعالى:﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِم آيةٌ
جَنَّتاَنِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُم واشْكُرُوا لَهُ
بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ
العَرِمِ وَبَدَّلْناَهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ
وَأَثْلٍ وَشَيءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾ (سبأ: 15-16)
فالله تعالى يحكي في هذه الآيات خبرا من
الزمن الماضي بدقة عالية[1]:
فهو يذكر ـ من باب العبرة، لا من باب
التأريخ ـ مجتمع سبأ الذي كان واحداً من أكبر أربع حضارات عاشت في جنوبي الجزيرة
العربية، فقد أسس السبأيون مجتمعهم ما بين 1000-750 قبل الميلاد، وانهارت حضارتهم
حوالي 550 بعد الميلاد، بسبب الهجمات التي دامت قرنين والتي كانوا يتعرضون لها من
جانب الفرس والعرب.
وقد عرف السبئيون خلال التاريخ كقوم
متحضرين، ويعتبر سد مأرب الذي كان أحد أهم معالم هذه الحضارة، دليلاً واضحاً على
المستوى الفني المتقدم الذي وصل إليه هؤلاء القوم.
وقد كان الجيش السبئي من أقوى جيوش ذلك
الزمان، وقد ضمن لحكامه امتداداً توسعياً جيداً، فقد اجتاحت سبأ منطقة القتبيين،
وتمكنت من السيطرة على عدة مناطق في القارة الإفريقية، وفي عام 24 قبل الميلاد
وأثناء إحدى الحملات على المغرب، هزم الجيش السبئي جيش ماركوس إيليوس غالوس
الروماني الذي كان يحكم مصر كجزء من الإمبراطورية الرومانية التي كانت أعظم قوة في
ذلك الزمن دون منازع.
وبذلك كانت سبأ بجيشها وحضارتها المتقدمة
من القوى العظيمة في ذلك الزمان.
[1] انظر: قوم سبأ وسيل
العَرِم: بقلم الكاتب التركي هارون يحيى، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.