وهكذا في مقام يسميه العلماء مقام الخشية، وهو هيبة مختلطة
بحب.. نعم.. قومنا يضحكون من هذا، ويسخرون منه.. ولكن لابد من هذا المقام.. فالنفس
الغارقة في الأوحال لا بد لها من سياط تنبهها، وتعيد إليها توازنها.
قلت: فلم لا نعيد لها توازنها بالمحبة؟.. لماذا يكثر
القرآن من الحديث عن العذاب المولد للخشية.. لماذا لم يسلك في التربية والإصلاح
مسالك أخرى تطغى فيها اللذة على الألم، والترغيب على الترهيب، والحب على الخوف؟
قال: كلاهما علاج.. ولا ينبغي للعاقل أن يترك دواء من
الأدوية لأنه يتناول دواء آخر.
صمت قليلا، ثم قال: ألا ترى الطبيب يحذر مريضه من أنواع
كثير من الشهوات، وقد يبين له آثارها الخطيرة على مستقبل قالبه الطيني.
ومثله الشرطي الذي يحذر المدني من كل سلوك لا ينسجم مع
القوانين التي كلف برعايتها، ويفتح له أبواب السجون أو ينصب له حبال المشانق إن
خالف تلك القوانين.
ومثلهما الأستاذ الذي يحذر طلبته من كل تهاون في مذاكرتهم
ويحذرهم من الرسوب وعواقبه عند مخالفته لأوامره.
وهكذا.. كل شخص يمارس كل أساليب الترهيب مع غيره ويمارسها
معه غيره، وقد تتحقق بعض المصالح في ذلك وقد تتخلف، وقد يفي هؤلاء بوعيدهم وقد
يتخلفون.
وهكذا الأمر إذا تعلق بإخبارات الله ووعيده، فالله كما
نرجوا وعده نخاف وعيده، وكما نطلب رحمته نفر من عذابه.
والخطأ الذي يقع فيه من لم يجمع بين هاتين المعرفتين هو
أنه رسم صورة خاطئة في ذهنه