عن ربه، بل هو يراه من زاوية أهوائه ومصالحه لا من الزاوية
الحقيقية التي تدل عليها كل الدلائل.
قلت: ولكن المسيحية تركز على المحبة.
قال: هذه المعرفة المتكاملة هي الطريق للمحبة، لأن المحبة
المبنية على بعض المعرفة محبة ناقصة، قد يؤثر فيها ما ينكشف لصاحبها من جهله
المركب بربه.
والدلائل تدل على إمكانية وجود العذاب في الكون، فالآلام
نراها من حولنا، ونعيشها في أنفسنا، ونذوقها بين الحين والآخر بصور مختلفة محتملة،
وهي تنبيه لما هو أكبر منها، لنعبر إلى ما لانراه بما نراه.
وكما أن لنعيم الجنة بعض المظاهر الدنيوية الدالة عليه،
والتي تقرب صورته للذهن، وتملأ القلب بالرجاء له والشوق إليه، فكذلك لعذاب الله
مظاهره الدنيوية الدالة عليه، والتي تملأ القلب مخافة منه، وحذرا من أسبابه.
ولهذا لا حجة لمن ينكر العذاب الذي تطفح الدلائل على
إثباته، ولهذا أخبر القرآن أن المكذبين بعذاب الله، أو المنكرين لكون الله قادرا
على تعذيبهم، والمعللين ذلك بعلل مختلفة هي من وحي الشياطين لا من وحي رب
العالمين، بأنهم يوم القيامة يكتشفون هذه الحقيقة بعد أن يفوت الأوان اسمع ما يقول
القرآن:) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ
كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ
ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (السجدة:20).. ) فَالْيَوْمَ لا
يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا
ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ) (سـبأ:42)
فلذلك..فإن الأفكار الإرجائية التي توضع في غير محلها هي
وحي من الشياطين، وإن ألبسها بعضهم لباس المعرفة، وقد أشار القرآن إلى هذا الوحي
الشيطاني عند ذكره لخطبة الشيطان في أهل حهنم، فقال:) وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ
الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ
فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ
دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا
أَنَا