قلت: لقد ذكر هذا في القرآن.. فهو يقع إذن في نفس ما وقع
فيه الكتاب المقدس..
قال: لا.. القرآن لم يذكر هذا بهذا الأسلوب.. لقد صور
القرآن صورة هابيل.. الرجل الصالح الطيب.. نعم كلاهما قرب قربانا، ولكن قربان
هابيل كان مضمخا بروائح الإخلاص التي يحبها الله.. لقد قال القرآن في هذه المناسك:{ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ
لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ }(الحج: 37)
والآن.. فاسمع قصة قابيل وهابيل في القرآن.. وإن شئت
قارنها بمثيلتها في الكتاب المقدس لترى الفرق بينهما.. اسمع:{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ
نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ
أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ
إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة:27) اسمع.. لقد ذكر
هابيل علة القبول.. ليست هي اللحم، أو الزرع.. العلة هي التقوى.. فلذلك قد تتقرب
بزرع، ويكون أزكى عند الله من جميع أبقار الدنيا وأغنامها.
والقرآن يصور نفس هابيل خير تصوير حين يذكر الصراع الذي
حصله بينه وبين أخيه، فيقول:{ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا
بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ
الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ
أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}(المائدة:28 -29)
هذا هو أول قربان ذكر في الكتاب المقدس.. يليه القربان
الثاني.. بعد أن أغرق الله الأرض بالطوفان.. وما تكاد السفينة تستقر على جبل
أراراط حتى يخرج نوح ويقدم قربانا للربن كما جاء في سفر التكوين:( وبني نوح مذبحا
للرب. وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرّقات على
المذبح. فتنسم الرب رائحة الرضا. وقال الرب في قلبه لا أعود ألعن الأرض أيضا من
أجل الإنسان ) (تكوين:8/20-21)
ثم يأتي ابراهيم فلا نراه ـ كما نراه في القرآن ـ داعية
إلى الله، ومعرفا به، وصاحب حجة يناضل بها الوثنيين وعبدة الكواكب وعبدة الملوك،
بل نراه في الكتاب المقدس لا ينكر على قومه ما هم