نام کتاب : جوانب الخلاف بین جمعیة العلماء والطرق الصوفیة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 56
وهذا يدل على أن الصوفية
يرون أن ما يخترعونه من سلوك أو من تحديد للعباادت هو من المصالح التي لا حرج
فيها، ولا تدخل ضمن مفهوم البدعة، وهو الذي اعتبره خصومها، وخاصة من التيار السلفي
من البدع المنكرة.
ولو كان الأمر قاصرا على
الصوفية وحدهم لما اعتبرنا هذا من المختلف فيه، ولكنا نجد الكثير من العلماء،
وخاصة من أتباع المدارس الفقهية، بل من المحدثين أنفسهم، من يؤيدهم في هذه النظرة،
ويعتبر أن مفهوم البدعة لا ينطبق على تلك السلوكات، وليس هذا خاصا بأفراد معدودين
من العلماء، بل هو يشمل الكثير من المحدثين والفقهاء وعلماء الكلام وغيرهم ممن قد
يشكلون مدرسة كاملة لا يمكن إهمالها.
بل يدخل في هؤلاء جملة
من العلماء المعتبرين لدى علماء المدرسة السلفية، إما باعتبارهم من المحدثين
الكبار، أو لاعتبارات أخرى تجعلهم يتفقون مع هذه المدرسة، ومع ذلك لا يرون مثل هذه
السلوكات بدعة.
ولا يمكننا في هذا المحل
أن نستوعب التعريف بهؤلاء لكثرتهم، ولكنا نحب أن نشير إلى علمين بارزين لهما
قيمتهما في سلوك هذه المدرسة، وفي موقفهما خصوصا من البدعة، وفي كون الكثير من
الطرق الصوفية يرجعون إليهما عند الخلاف مع المدرسة السلفية.
أما أولهما، فهو العالم
الذي اتفقت المدارس الإسلامية على قبوله واحترامه لكونه فقيها وأصوليا وعالما
كبيرا من علماء المقاصد بالإضافة إلى مواقفه الشديدة مع حكام زمانه إلى درجة
تلقيبه بسلطان العلماء، ألا وهو (العز بن عبد السلام)، فقد كان إلى جانب تلك
القدرات العلمية مريدا لبعض مشايخ الصوفية، ويمارس طقوسهم، إلى درجة أن بعض
الفقهاء يستدلون بفعله على جواز تلك الممارسات[1].
[1] كان ابن عبدالسلام
مفتونا بالرقص والوجد على طريقة الصوفية، وله مصنفات في تأييد التصوف والرقص
والسماع، بل قد لبس الخرقة على طريقة المتصوفة على يد الصوفي الكبير السهروردي، قال الذهبي: ( قال قطب الدين : كان مع شدته فيه حسن محاضرة
بالنوادر والأشعار. يحضر السماع ويرقص) (العبر (3/299)، وقال السيوطي في ترجمة العز: ( له كرامات كثيرة ولبس خرقة التصوف من الشهاب السهروردي، وكان يحضر عند الشيخ أبي الحسن الشاذلي، ويسمع كلامه في الحقيقة ويعظمه) (حسن المحاضرة (1/273) دار الكتب
العلمية)، وقال السبكي: ( وذكر(أي القاضي عز الدين الهكاري) أن الشيخ لبس خرقة
التصوف من شهاب الدين السهروردي، وأخذ عنه، وذكر أنه كان يقرأ بين يديه ((رسالة القشيري))فحضره مرة الشيخ أبو العباس المرسي لما قدم من الأسكندرية إلى القاهرة فقال له الشيخ عز الدين: تكلم
على هذا الفصل. فأخذ الشيخ المرسي يتكلم والشيخ عز الدين يزحف في الحلقة ويقول: اسمعوا هذا الكلام
الذي هو حديث عهد بربه، وقد كانت للشيخ عز الدين اليد الطولى في التصوف وتصانيفه
قاضية بذلك) (الطبقات(8/214-215).
أما عن السماع والرقص الذي
كان يفعله الشيخ عز الدين، فيقول ابن شاكر الكتبي : (يحضر السماع ويرقص ويتواجد)
(فوات الوفيات(2/350-352)
وقد جعل اليافعي رقص وسماع
الشيخ عز الدين دليلا على جواز ذلك لأن فعله حجة فهو من كبار العلماء وأطال في ذلك
(انظر مرآة الجنان لليافعي(4/154).
نام کتاب : جوانب الخلاف بین جمعیة العلماء والطرق الصوفیة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 56