ومن أمثلة
ذلك ما عبر عنه بقوله في الفص الهاروني عندما راح يدافع عن عبادة العجل، ويعتبره مظهرا
من مظاهر عبادة الله تعالى: (فكان موسى أعلم بالأمر من هارون لأنه علم ما عبده أصحاب
العجل ، لعلمه بأن الله قد قضى ألا يُعبد إلا اياه: وما حكم الله بشيء إلا وقع.
فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتساعه. فإنَّ العارف من
يرى الحق في كل شيء، بل يراه عين كل شيء، فكان موسى يربي هارون تربية علم وإن كان أصغر
منه في السن)[1]
وهكذا راح
يحرف معنى قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ
إِيَّاهُ ﴾ [الإسراء:23] من القضاء التشريعي إلى القضاء التكويني المحتوم..
والذي يجعل من كل تلك الأوثان والأصنام والآلهة التي اخترعها الإنسان، أو ضلله بها
الشيطان .. كلها عبادة لله تعالى.
ولو أنه تأمل
في الآية تأملا بسيطا لوجد فيها خلاف ما اعتقد.. فقد أخبر الله تعالى أنه قضى على
عباده ألا يعبدوا إلا إياه.. وقضى كذلك ـ حسبما تنص الآية الكريمة ـ على الإحسان
للوالدين، كما قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ
إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء:23]، .. وعلى مقتضى قوله
في حتمية القضاء يكون كل تصرف مع الوالدين إحسانا.. سواء كان برا بهما، أو عقوقا
لهما.
بل إنه صرح
في الفص النوحي بما هو أخطر من ذلك، فقال: (التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب
الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب. ولكن إذا
أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه ووقف عند التنزيه ولم يَرَ غير
ذلك فقد أساء الأدب وأكذب الحقَّ والرسلَ صلوات الله عليهم وهو لا يشعر،