على طريق أهل المظاهر فأتى بالأغمض
فالأغمض بالنّسبة إلى أهل النّظر والاصطلاحات والعلوم كما فعل الفرغانيّ شارح
قصيدة ابن الفارض في الدّيباجة الّتي كتبها في صدر ذلك الشّرح، فإنّه ذكر في صدور
الوجود عن الفاعل وترتيبه أنّ الوجود كلّه صادر عن صفة الوحدانيّة الّتي هي مظهر
الأحديّة وهما معا صادران عن الذّات الكريمة الّتي هي عين الوحدة لا غير. ويسمّون
هذا الصّدور بالتّجلّي. وأوّل مراتب التّجليّات عندهم تجلّي الذّات على نفسه وهو
يتضمّن الكمال بإفاضة الإيجاد والظّهور .. وهذا الكمال في الإيجاد المتنزّل في
الوجود وتفصيل الحقائق وهو عندهم عالم المعاني والحضرة الكماليّة والحقيقة
المحمّديّة وفيها حقائق الصّفات واللّوح والقلم وحقائق الأنبياء والرّسل أجمعين
والكمّل من أهل الملّة المحمّديّة. وهذا كلّه تفصيل الحقيقة المحمّديّة. ويصدر عن
هذه الحقائق حقائق أخرى في الحضرة الهبائيّة وهي مرتبة المثال ثمّ عنها العرش ثمّ
الكرسيّ ثمّ الأفلاك، ثمّ عالم العناصر، ثمّ عالم التّركيب. هذا في عالم الرّتق
فإذا تجلّت فهي في عالم الفتق. ويسمّى هذا المذهب مذهب أهل التّجلّي والمظاهر
والحضرات وهو كلام لا يقتدر أهل النّظر إلى تحصيل مقتضاه لغموضه وانغلاقه وبعد ما
بين كلام صاحب المشاهدة والوجدان وصاحب الدّليل)[1]
ولم يتوقف
أمر الشيخ الأكبر عند هذا الحد، بل راح إلى الحقائق الكبرى التي جاء بها القرآن
الكريم حول الله تعالى يشكك فيها، ومن أهمها، وهو أساسها وركنها الركين تنزيه الله
تعالى، فالله تعالى كما تنص النصوص المقدسة، بل كما ينص أولياء هذه الأمة الكبار
لا يمكن أن يشبه خلقه بأي وجه من الوجوه، فمعرفته هي معرفة التنزيه المطلق.. لكن
ابن عربي ـ مثله مثل ابن تيمية ـ ينكر هذا النوع من المعرفة.