لكن ابن عربي
يتجاسر على ما هو أعظم من ذلك، فيصور المشاهد الكثيرة التي رآها وسمعها، وكأنها
حقائق مطلقة.. ونحن لا ننكر عليه أن يكون من أهل الكشف والشهود، ولا من أهل
الإلهام.. ولكنا ننكر عليه أن يسطر ذلك كعقائد تضاف للعقائد التي جاء بها رسول
الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم).
بل إن
العقائد التي جاء بها رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم)
قليلة جدا مقارنة بتلك العقائد الكثيرة التي أدخلها ابن عربي إلى عقائد الإسلام..
تحت أي اسم من الأسماء.
وليته تعامل
مع تلك الغيبيات الكثيرة التي لا يخلو منها كتاب من كتبه مثلما تعامل الغزالي الذي
كان شديد الحرص على ألا يسطر في كتبه شيئا خارج النطاق الذي سمحت به الشريعة، فقد
كان يقول كل حين مثل قوله: (وهذه الحقائق داخلة في علم المكاشفة ووراءه سر القدر
الذي منع من إفشائه فلنقصر عن ذكره)[1]
لكن هذا
الموقف الورع من الغزالي لم يرض أتباع ابن عربي، ربما لأنهم شديدو الفضول، وربما
يريدون أن يكشف لهم ما كشف له من غير ممارسة رياضة ولا مجاهدة.
ولست أدري
كيف يسمون أنفسهم بعد ذلك صوفية، مع أن الصوفي هو الذي جاهد وسلك ووصل إلى الفتح
الحقيقي، لا الفتح الذي ينقله عن غيره تقليدا.
والمشكلة
التي ورثها ابن عربي لأتباعه في هذا المجال هو أنه تركهم بدل التجرد والتحقق
والسلوك يبحثون في عوالم الغيب المجهولة، ويريدون التعرف على أسرارها بعيدا عن
أنوار العصمة، وبعيدا عن مناهج البحث العلمي التي أتاحها الله لنا.
وقد أشار ابن
خلدون إلى هذه الوجهة التي توجهها الصوفية ـ بتأثير كبير من ابن عربي ـ فقال: (وربّما
قصد بعض المصنّفين ذلك في كشف الموجودات وترتيب حقائقه