المكيّة]
عند حديثه عن مصدر ما ورد فيه من المعارف الكثيرة المرتبطة بعالم الغيب: (فنحن
بحمد الله ممن شاء من عباده، فالعلم الإلهي هو الذي كان الله سبحانه معلمه
بالإلهام والإلقاء وبإنزال الروح الأمين على قلبه، وهذا الكتاب الفتوحات من ذلك
النمط عندنا، فو الله ما كتبت منه حرفا إلا عن إملاء إلهي وإلقاء رباني، أو نفث
روحاني في روع كيانى، هذا جملة الأمر، مع كوننا لسنا برسل مشرعين ولا أنبياء
مكلفين، بكسر اللام اسم فاعل، فإن رسالة التشريع ونبوة التكليف قد انقطعت عند رسول
الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) فلا
رسول بعده a ولا نبي يشرع ولا يكلف، وإنما هو علم وحكمة، وفهم عن
الله، فيما شرعه على ألسنة رسله وأنبيائه عليهم سلام الله، وما خطه وكتبه في لوح
الوجود من حروف العالم وكلمات الحق، فالتنزيل لا ينتهي، بل هو دائم دنيا وآخرة)[1]
وما ذكره
الشيخ الأكبر من انقطاع النبوة بعد رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم)
كان يقتضي منه التوقف في كل ما يكشف له، أو يلهم به، لأنه لا يدري هل هو كشف صادق،
أو كشف مغشوش، وهل هو إلهام صاف، أو أن الشياطين قد أوغلت فيه.. أما أن ينشره،
ويزعم صدقه المطلق، فإنه جرأة على مقام النبوة، لأن النبوة هي التبليغ عن الله،
والتعريف بعالم الغيب، وما كان لأحد لم يرزقه الله هذا الفضل أن يدعي شيئا.
بل إن الله
تعالى، وفي أمور تاريخية بسيطة أخبر رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم)
أنه لم يكن ليعلم ذلك لولا وحي الله له، كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ مِنْ
أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون
أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ
يَخْتَصِمُون﴾ [آل عمران:44]، وقال له في شأن موسى عليه السلام: ﴿وَمَا
كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ
مِنَ الشَّاهِدِين﴾ [القصص:44]