أبوحنيفه أو الشافعى يعلم أن أهل الكوفه
وأهل الحجاز أو السلف قائلون به،وإن ادعى ذلك دون ما هو معلوم مسلم غير منازع فيه،
فالشيعة أيضا تدعي وتروي أن مذاهبها التي انفردت بها هي مذاهب جعفر بن محمد الصادق
ومحمد بن علي الباقر وعلي بن الحسين زين العابدين عليهم السلام، بل تروي هذه
المذاهب عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وتسندها إليه، فاجعلوا
لهم من ذلك ما جعلتموه لأبي حنيفة وللشافعي وفلان وفلان، أو انزلوهم على أقل
الأحوال منزلة ابن حنبل وداود ومحمد بن جرير الطبري فيما انفردوا به، فإنكم
تعذرونهم خلافا فيما انفردوا به، ولا تعذرون الشيعة خلافا فيما انفردوا به، وهذا
ظلم لهم وحيف عليهم)[1]
ويذكر الشريف المرتضى بألم وحرقة كيف
يعتد في الإجماع بآراء أبي حنيفة التي تستند للقياس مع كون ذلك مما (لا يمكنه أن
يدعي أن له في القول بها سلفا من الصحابة ولا التابعين.. فكيف لم يشنعوا عليه بأنه
ذهب إلى ما لم يذهب إليه أحد قبله وشنعتم على الشيعة بمثل ذلك؟)[2]
وبمناسبة ذكر الشريف المرتضى لأبي حنيفة،
فإن هذا يدلنا على مكيال آخر من المكاييل المزدوجة التي يتعامل بها هذا الصنف من
العلماء مع الشيعة، ذلك أنهم يستندون في عدم اعتبار الشيعة عند ذكرهم للإجماع لما
قال علماء السلف الذين يعتبرونهم في الجرح والتعديل، والقبول والرفض.. مع أن نفس
أولئك العلماء تكلموا في أبي حنيفة كلاما شديدا ربما يكون كلامهم في الشيعة أدنى
منه.
فقد ساق عبد الله بن أحمد في كتابه
(السنة) مجموعة كبيرة من الاتهامات والشتائم التي وجهها من يسمونهم أئمة السلف
لأبي حنيفة من أمثال: (كافر، زنديق،