كذلك في حياته البرزخية التي لا تقل عن حياته الدنيا إن لم تكن أكمل منها، يشفع فيمن استشفع به، ويغيث من استغاث به، لأن وفاته لم تتعد جسده الشريف، أما روحه فهي حية باقية لا أثر للموت فيها.

لكن ابن تيمية وبدعوى الشرك راح يحرم كل ذلك، ويبدع فاعله، بل يرميه بالشرك، فصار رسول الله a في أذهان أتباعه صنما من الأصنام يحذر منه، لا نبي كريم له جاه عند الله، ومقام محمود، ومنزلة رفيعة.

لقد غفل ابن تيمية[1] عن أن كون الله هو المؤثر والمجيب، وأنّه لا تأثير في عالم الوجود إلاّ له، لا يعني أنه - من باب حكمته ولطفه - لم يضع أسبابا تحمل رحمته، وتجري نعمته وكرمه وإحسانه عن طريق تلك العلل.

وقد تعلّقت إرادته سبحانه ومشيئته على نزول الرحمة عن طريق العلل والأسباب التي جعلها عللاً إعدادية للمسببات.

ومن تلك الأساب العظمى لرحمته مكانة الرسول a وقداسته التي تنزل رحمتُه سبحانه من خلالها، ولا بُعد في ذلك، كما هو الحال في طلب الدعاء والاستغفار من النبي في حال حياته، فإنّ دعاء النبي صلی‌الله‌علیه‌وآله‌وسلم أحد أسباب استجابة الدعاء.

ومن قرأ القرآن الكريم وتدبره وجد هذا المعنى واضحا فيه.. فهذه الأرض والنباتات تعيش بسبب الماء النازل من السماء، فللماء تأثير في حياة الأرض والنبات، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى﴾ [طه: 53]، وبناء عليه لا مانع من اتّخاذ ذات النبي صلی‌الله‌علیه‌وآله‌وسلم وسيلة إلى الله سبحانه حتى تجري رحمته من خلال دعائه أو لأجل قداسته وقربه من الله.. فالتوسّل بنبيّ التوحيد هو عين التوحيد،

[1] الكلام الوارد هنا في تعليل التوسل مقتبس بتصرف من كتاب (ابن تيمية فكرا ومنهجا) للعلامة جعفر السبحاني، بتصرف.