والسلفية ـ
الذين تجرأوا فكفروا الأشاعرة بسبب معتقداتهم ـ لم تنقص جرأتهم في موقفهم من
الماتريدية.. ذلك أن كليهما يعتبران من الجهمية عند السلفية.
بل إن موقف
السلفية من الماتريدية أشد، ذلك أنهم أقرب إلى المعتزلة، وأكثر استخداما للعقل،
والسلفية لا يشككون في كفر المعتزلة وضلالهم، وضلال كل من يقترب منهم.. بل إن
الأشاعرة ما حكم عليهم بالضلال إلا بسبب قربهم من المعتزلة، ولذلك فإن درجة كفر
الماتريدية ـ عند السلفية ـ أكبر بسبب ذلك القرب.
وقد وضح
الشيخ محمد أبو زهرة ـ وهو من أعلام الماتريدية المعاصرين ـ درجة ذلك القرب، فقال:
(إن منهاج الماتريدية للعقل سلطان كبير فيه من غير أي شطط أو إسراف، والأشاعرة
يتقيدون بالنقل ويؤيدونه بالعقل، حتى إنه يكاد الباحث يقرر أن الأشاعرة في خط بين
الإعتزال وأهل الفقه والحديث، والماتريدية في خط بين المعتزلة والأشاعرة، فإذا كان
الميدان الذي تسير فيه هذه الفرق الإسلامية الأربع، والتي لا خلاف بين المسلمين في
أنها جميعا من أهل الإيمان، إذا أقسام أربعة، فعلى طرف منه المعتزلة، وعلى الطرف
الآخر أهل الحديث، وفي الربع الذي يلي المعتزلة، الماتريدية، وفي الربع الذي يلي
المحدثين، الأشاعرة)[1]
ومثله قال
الشيخ محمد زاهد الكوثري ـ وهو من كبار أعلامهم الذين اتفق المعاصرون على تكفيرهم
وتبديعهم واعتبارهم من الجهمية ـ: (الماتريدية هم الوسط بين الأشاعرة والمعتزلة،
وقلما يوجد بينهم متصوف، فالأشعري والماتريدي هما إماما أهل السنة والجماعة في
مشارق الأرض ومغاربها، لهم كتب لا تحصى، وغالب ما وقع بين هذين الإمامين من الخلاف
من قبيل اللفظي)[2]