فقال: غبت بك عني فظننت إنك
أني. وفي مثل هذا المقام يقع السكر الذي يسقط التمييز مع وجود حلاوة الإيمان، كما
يحصل بسكر الخمر، وسكر عشيق الصور. وكذلك قد يحصل الفناء بحال خوف أو رجاء، كما
يحصل بحاله حب فيغيب القلب عن شهود بعض الحقائق ويصدر منه قول أو عمل من جنس أمور
السكارى وهي شطحات بعض المشائخ، كقول بعضهم: انصب خيمتي على جهنم، ونحو ذلك من
الأقوال والأعمال المخالفة للشرع؛ وقد يكون صاحبها غير مأثوم، وأن لم يكن فيشبه
هذا الباب أمر خفراء العدو من يعين كافرا أو ظالما بحاله ويعلم أنه مغلوب عليه.
ويحكم على هؤلاء أن أحدهم إذا زال عقله بسبب غير محرم فلا جناح عليهم فيما يصدر
عنهم من الأقوال والأفعال المحرمة بخلاف ما إذا كان سبب زوال العقل والغلبة أمرا
محرما)[1]
ولو أننا أخذنا هذا النص،
ونسبناه إلى أي شخص، ثم استفتينا أي عالم من علماء السلفية المعاصرين ابتداء من
هيئة كبار العلماء إلى صغارهم، فإنهم لا محالة يحكمون بكفر قائله.. اللهم إلا إذا
وجدنا منهم من طالع كتب ابن تيمية، وقرأ هذا النصوص خصوصا، فإنه يكتفي بتخطئته
وانتقاده دون تكفيره.
وهكذا نرى ابن القيم في
تعامله مع الصوفية، فهو يثني على الكثير من أعلامها، وينقل كلامهم، ويشرحه، ويبين
قيمته، ويبرر ما أسيء فهمه.. وهذا ما لقي نوعا من النفور من المتأخرين الذين تمنوا
لو أنه اكتفى بتكفير الجهمية والمعطلة وغيرهم، ولم يفعل هذا.
ومن أمثلة ذلك قوله في [مدارج
السالكين] في تعريف التصوف: (الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في
الدين، وكذلك التصوف قال الكتاني: